اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 479
وأكمل عزيمة
أُولئِكَ السعداء المحسنون المخلصون لَهُمْ في النشأة الاخرى جَنَّاتُ عَدْنٍ اى متنزهات اقامة وخلود من مراتب العلم والعين والحق ومع ذلك تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ اى انهار المعارف والحقائق المتجددة بتجددات التجليات الإلهية والنفسات الرحمانية المترشحة من رشحات رشاشات بحر الذات الازلية الابدية ومع ذلك يُحَلَّوْنَ ويزينون فِيها مِنْ أَساوِرَ وخلاخل متخذة مِنْ ذَهَبٍ جزاء ما قد هذبوا أخلاقهم وجوارحهم بمقتضى الأوامر الإلهية في النشأة الاولى وَيَلْبَسُونَ فيها ثِياباً خُضْراً مصنوعة مِنْ سُنْدُسٍ وهو ما رق من الديباج وَإِسْتَبْرَقٍ هو ما غلظ منه جزاء ما اتصفوا في النشأة الاولى بزي التقوى ولباس الصلاح ومن كمال تنعمهم وترفههم يكونون مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ والسرر متمكنين عليها جزاء ما قد حملوا من المتاعب والمشاق في مواظبة الطاعات وملازمة العبادات وبالجملة نِعْمَ الثَّوابُ ونعم الجزاء جزاء اهل الجنة وثوابهم وَحَسُنَتْ المتنزهات الثلاث مُرْتَفَقاً لهم يرتفقون وينتفعون فيها مع اهل الكشف والشهود بما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
ثم امر سبحانه حبيبه صلّى الله عليه وسلّم بضرب المثل لتوضيح حال المؤمن والكافر ومآل أمرهما وشأنهما فقال وَاضْرِبْ لَهُمْ يا أكمل الرسل مَثَلًا مبينا موضحا وهو ان رَجُلَيْنِ من بنى إسرائيل كانا أخوين أحدهما مؤمن موحد والآخر كافر مشرك مات أبوهما وورثا منه أموالا عظاما فاقتسما فصرف المؤمن ماله في سبيل الله وأنفق للفقراء واليتامى والمساكين وابن السبيل واشترى الكافر مكاسب ومزارع وكثر ماله الى ان جَعَلْنا لِأَحَدِهِما اى للكافر ابتلاء له واختبارا جَنَّتَيْنِ بستانين مملوين مِنْ أَعْنابٍ وكروم وَحَفَفْناهُما اى احطنا كلا منهما بِنَخْلٍ لتزيدا حسنا وبهاء وَجَعَلْنا بَيْنَهُما اى بين الجنتين زَرْعاً مزرعة ومحرثة للحبوب والأقوات من الحنطة والشعير وغيرهما
كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ قد تمتا وكملتا الى ان آتَتْ واثمرت كل منهما أُكُلَها وثمرتها كاملة وافرة في كل سنة وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً اى لم تنقص من ثمرتهما وحاصلهما شيأ من النقصان كما هو المعهود في سائر البساتين فان ثمرها يتوفر في عام وينقص في اخرى وَمع ذلك قد فَجَّرْنا وأجرينا خِلالَهُما اى في اوساط الجنتين المذكورتين نَهَراً ليدوم سقيهما
وَمع تينك الجنتين واثمارهما قد كانَ لَهُ ثَمَرٌ اى اموال عظام وامتعة كثيرة من انواع الأجناس والنقود والجواهر والعبيد وغير ذلك فَقالَ الأخ الكافر يوما على سبيل البطر والمباهاة لِصاحِبِهِ اى للأخ المؤمن وَهُوَ يُحاوِرُهُ ويخاطبه مفتخرا مباهيا بعرض الأموال والزخارف عليه ويشنعه ويعيره ضمنا ويقرعه تقريعا خفيا الى ان قال بطرا أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وبالأموال تقتنص عموم الأماني والآمال وتنال بجميع اللذائذ والشهوات وَأَعَزُّ نَفَراً أبناء وعشائر واحشاما وخدمة يظاهرون ويعاونون على لدى الحاجة ويصاحبون معى في الحضر والسفر
وَمن شدة بطره وخيلائه دَخَلَ يوما جَنَّتَهُ التي ذكر وصفها وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ بعرضها على عذاب الله وانواع عقابه بكفره بالله وجحوده بأوصافه وأسمائه وبطره بحطام الدنيا وإعجابه على نفسه اتكالا على ثروته وجاهه وكثرة أعوانه وانصاره قالَ من طول أمله وحرصه وشدة غروره وغفلته ما أَظُنُّ بل ما اشكّ وأوهم أَنْ تَبِيدَ اى تنهدم وتنعدم هذِهِ الجنة أَبَداً بل هي على هذا القرار والنضارة والنزاهة دائما
وَايضا ما أَظُنُّ واعتقد السَّاعَةَ
اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 479